الأحد ٢١ / شوّال / ١٤٤٦
السؤال: رسالة وصلت إلى البرنامج من الأخ: صهيب (ن . أ) أخونا يقول: لو تفضلتم بشرح الحديث التالي، يقول ﷺ: اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في الأنساب، والنياحة على الميت وما معنى الكفر بالذات في هذا الحديث؟
الجواب: هذا حديث صحيح رواه مسلم في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي ﷺ أنه قال: اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت الطعن في النسب: التنقص لأنساب الناس، فلان فيه كذا فلان فيه كذا، فلان نسبهم فيه كذا فيه كذا يطعن في أنسابهم ويعيبها لشيء في نفسه، أو ترفعاً وتكبراً، هذا لا يجوز، أما إذا كان من باب الخبر: بني تميم صفتهم كذا، قحطان كذا، قريش كذا، بني هاشم كذا، يخبر أنسابهم أنهم قبائل وأنهم كذا وأنهم..، يخبر عن أحوالهم من غير طعن بل يخبر عن أنسابهم وتفاصيلها، فهذا ليس من الطعن في الأنساب، الطعن معناه: العيب والتنقص لهم تكبراً وتعاظماً أو لإظهار عوراتهم والغيبة لهم ونحو ذلك، ليس قصده سوى ذلك. والنياحة معناها: رفع الصوت على الميت، كونه ينوح يعني: يرفع صوته، يبكي بصوت واضح ظاهر، هذا ممنوع، والكفر هنا كفر دون كفر، الكفر هنا كفر منكر عند أهل العلم فهو كفر أصغر؛ لأن الكفر كفران، والظلم ظلمان، والشرك شركان؛ أكبر وأصغر، فالشرك الأكبر مثل: دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات والنذر لهم، أو للأصنام، أو للأشجار والأحجار، أو للكواكب هذا شرك أكبر، والشرك الأصغر مثل قول: لولا الله وفلان، ما شاء الله وشاء فلان، هذا شرك أصغر، الواجب أن يقول: لولا الله ثم فلان، ما شاء الله ثم شاء فلان، وهكذا الحلف بغير الله كقوله: والنبي أو بالنبي أو وحياتك هذا شرك أصغر، هكذا الرياء اليسير مثل كونه يستغفر يسمع الناس يرائي أو يقرأ يرائي، هذا شرك أصغر. والظلم ظلمان: أكبر وأصغر، فدعاء الأموات والاستغاثة بالأموات وجحد ما حرم الله كالزنا ونحوه يعني: استحلال ما حرم الله وجحد تحريمه، هذا كفر أكبر، وهكذا جحد ما أوجب الله كجحد وجوب الصلاة أو جحد وجوب الزكاة كفر أكبر، وكالذبح لغير الله والعبادة لغير الله كعبادة الكواكب والأموات والأصنام والأشجار هذا كفر أكبر. وكفر أصغر مثل: النياحة على الميت، مثل الطعن في الأنساب، مثل التبرؤ من الأنساب، مثل الحلف بغير الله، يقال: كفر دون كفر، هذه تفاصيل الشرك الأكبر والأصغر والظلم الأكبر والأصغر وهكذا الكفر الأصغر والأكبر. وهكذا الظلم مثل ظلم الناس في دمائهم وأموالهم هذا ظلم أصغر، والشرك الأكبر يسمى: ظلم أكبر، قال تعالى: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:254] وقال سبحانه: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82] فسر النبي ﷺ الظلم هنا بالشرك الأكبر. فالكفر كفران والظلم ظلمان والشرك شركان؛ أكبر وأصغر، والذي في حديث: اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت هذا من الكفر الأصغر. نعم.
والمقصود من هذه المحاضرة والمقصود من هذا التعليق كله أن تعلموا الحقيقة، وأن تنشروها إلى من وراءكم، كل من سمع شيئًا من الحق ينشره إلى من وراءه ويبلغه من وراءه، كان النبي ﷺ إذا خطب الناس يقول ﷺ: فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع، ويقول: نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها ثم أداها ثم بلغها إلى من يسمعها ثم أداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع، وربما قال: ورب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. فالمقصود أنك -يا عبد الله- إذا بلغت قد تبلغ أناسًا أفقه لما تبلغهم منك، وقد ينتفعون بذلك، وقد يبلغونه غيرهم أيضًا، وبهذا ينتشر العلم، وتنتشر الفوائد، ويظهر الحق بين الناس، بنقل العلم ونقل الفائدة من مكان إلى مكان، ومن مجتمع إلى مجتمع، وبهذا تظهر الحقائق، وتظهر الفوائد، وينشر العلم، ويخذل الباطل، ويندحر الباطل. نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يبلغ العلم، ويأخذ بالحق، وينشره، ويقف عند الحق، وعند الحدود التي حدها الله ورسوله، ويحذر الباطل أينما كان، إنه جل وعلا جواد كريم، وجزى الله أخانا الشيخ محمد بن حسن الدريعي خيرًا، ونفعنا جميعًا بما علمنا وبما سمعنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله. الدنيا -أيها الإخوة- دار الابتلاء والامتحان، هذه الدار دار ابتلاء وامتحان، يبتلى فيها أهل التوحيد بأهل الشرك، ويبتلى فيها أهل السنة بأهل البدعة، ويبتلى فيها أهل الإيمان والتقوى بأهل المعاصي، ويبتلى فيها الأخيار بالأشرار، في كل مكان، لكن الموفق من وفقه الله للصبر والثبات على الحق، والجدال بالحسنى؛ لإظهار الحق ودحر الباطل، هذا هو الموفق، من ثبت على الحق وإن تركه الناس فالحق أحق بالاتباع وإن تركه الناس، فالموفق من لزم الحق واستقام عليه، وصبر عليه ولو تركه الناس، وحذر من الباطل وابتعد عنه ولو فعله الناس. رزق الله الجميع التوفيق والهداية.